Wednesday, April 09, 2008

كراميل لبناني ، نادين لبكي تصنع فيلمها الأول

-1-
طقس التحضير

تضع السكر في وعاء فوق النار ، يسخن السكر فتضيف له قليل من الماء ، بسهوله يذوب السكر فيتم تبريده ليصبح مزيجاً متماسكاً من الكراميل ، يصلح للأكل و لإزالة الشعر غير المرغوب فيه ، غير المرغوب فيه بشده
هكذا بالضبط ، يبدأ فيلم سكر بنات
-2-
شارع واحد و حكايات متعدده

شارع بيروتي هادئ ، سيارات قليله تمر طول اليوم ، و أجواء صيفيه لطيفه مميزة لبيروت الصيف
في هذا الشارع الهادئ لا يعنينا تحديداً سوى صالون تجميل صغير تعمل فيه 3 نساء ، ليال و نسرين و ريما ، يحملن جمالأ لبنانياً فاتناً ، و حكايات حزينه
ليال (نادين لبكي) ، الفتاه التي ترتبط بقصة حب مع رجل متزوج و أب لإبنه صغيره ، تهرب من عملها لساعه أو ساعتين عندما يتصل بها ، يقابلها في مكان خال بعيداً عن العيون
تعيش ليال قصة حبها في السر
تدعي النوم لتتحدث مع حبيبها في التليفون تحت الملاءه ، أو تدخل الحمام و تفتح صنبور المياه ليغطي صوت تدفقها على صوتها ، أو تهرب من عملها لتقابله
حكاية ليال تحمل على هامشها حكايات أخرى
نسرين ، و ريما
نسرين (ياسمين المصري) تنتظر موعداً لزفافها على بسام بعد أيام معدوده ، يؤرقها الخوف من افتضاح أمرها حين سيكتشف بسام في ليلة دخلتها أنها ليست عذراء ، و أنه ليس رجلها الأول ، خوف نابع من إدراكها للتقاليد المتعلقه بعفة البنت العربيه ، ميراث التخلف يطل برأسه
و ريما (جوانا مكزول) الفتاه الإنطوائيه ، المهمله لنفسها دائماً ، تعاني من مشكله بخصوص ميلها نحو النساء ، تحمل أزمتها الخاصه و تخفيها خلف ملامح وجهها البارده و صمتها العميق ، و شراستها في التعامل التي تداري بها هشاشتها

على الناحيه المقابله لصالون التجميل يقبع محل صغير للخياطه تعمل به و تديره السيده روز (سهام حداد) ، و تعيش مع أختها ليلي (عزيزه سمعان) ، ليلي التي تتجول في الشارع طوال اليوم ، حامله كيسها البلاستيكي تجمع فيه القصاصات الورقيه المهمله ، تظنها جوابات غراميه ترسلها الرياح من حبيب وهمي في بلاد بعيده ، امرأتان عجوزتان تعيشان خارج الدنيا
روز تعيش عالمها الخاص ، تعني بأختها و عملها الصغير ، و تؤدي واجباتها الملقاه على عاتقها دونما رغبه في شئ خاص ، تؤدي واجباتها كأي امرأه مسئوله
مسيو (شارل) هو نافذتها الوحيده على العالم ، عجوز فرنسي من زبائنها يأتي كل فتره ليصلح بدلته ، يضيق جاكت البدله ، يطيل بنطلونها ثم يقصره ، يخترع حججاً ليقترب منها لعدة دقائق ، مخفياً عشقه لها
...
يقطع يوسف (عادل كرم) الشارع يومياً و هو يمارس عمله كشرطي مرور ، ثم يجلس ليستريح على مقهى مقابل لصالون التجميل ، يختلس النظر لليال من وراء زجاج المقهى هامساً لها بحكاياته اليوميه ، بينه و بينها الشارع و زجاج الفتارين ، يعشق هو الأخر ، و عشقه في السر أيضاً
...
تقف جمال (جيزال عواد) أمام عدسة كاميرا الكاستينج ، جمال امرأه في منتصف العمر و أم لولد و بنت صغيره ، تبحث عن فرصه ما ، تنفذ ما تأمرها به المصوره ، تنظر للكاميرا ثم تدير وجهها لليمين مره و لليسار مره ، تتحدث عن نوع من الصابون استعملته مؤخراً فجعل بشرتها أكثر نضاره ، تطلب منها المصوره أن تعيد قراءة الدعايه مره بعد مره ، و تنفذ جمال الأوامر ، في لحظه ما تدمع عيونها ، و تجري هاربه من أمام عدسه الكاميرا البارده التي لا تعي الحزن و لا تفهمه
...
الجكايات اليوميه لهؤلاء البشر ، ترسمها (نادين لبكي) في فيلمها سكر بنات

-3-
عن الفن

تصنع (نادين لبكي) فيلمها بحساسيه أنثويه طبيعيه مع مثل هذه النوعيه من الأفلام ، فيلم يحدث تأثيره اعتماداً على التفاصيل الصغيره و المشاعر الخاصه لشخصياته الدراميه
هنا (نادين لبكي) هي صانعة فيلمها بالمعنى الحرفي للكلمه ، فهي صاحبة الفكره ، و مشاركه أساسيه في كتابة السيناريو و مخرجته ، كما أدت دوراً أساسياً بالفيلم يكشف عن ممثله موهوبه بحق
كتبت نادين السيناريو -شاركها فيه جهاد حجيلي و رودني الحداد- برهافه حقيقيه ، نسيج رقيق من المشاعر ضفرتها مع الحياه الخاصه للنساء داخل صالون التجميل ، في إحتفاء واضح بالجمال اللبناني الفريد ، جمال الأنثى و جمال بيروت ، ست الدنيا كما تسميها نادين في لوحة الإهداء ، في ظل واقع سياسي و إجتماعي قاسي حقاً على ست الدنيا
لكن السيناريو لم يكتب برهافة حس فقط ، و إنما أيضاً بذكاء ، تأملوا مشهد حديث يوسف الشرطي الهامس لليال رغم أنها لا تسمعه ، تختار نادين الموقف الذي تكشف فيه عن سر بطلها العاشق بذكاء ، ليال تتحدث في التليفون و يوسف يحدثها من مكانه في المقهى كأنه هو الطرف الأخر في المكالمه ، و قطعات المونتاج المتنقله بين ليال في صالون التجميل و يوسف في المقهي ، تصل الحوار المقطوع بين الإثنين
الموسيقى التي كتبها خالد مزنر تزيد من إحساسنا بمشاعر الأبطال ، موسيقى تميل للكلاسيكيه و الهدوء ، بيانو يلعبه خالد مزنر بنفسه ، و أيقاعات تستحضر روح موسيقى التانجو في مشاهد البهجه ، خالد مزنر باختصار صنع سمفونيه موسيقيه تسبح في فضائها مشاهد الفيلم كسرب أسماك ،

استطاعت (نادين لبكي) أيضاً -في أولي تجاربها السينمائيه- أن تحقق أداءاً متفوقاً في توجيه الممثلين ، إذا وضعنا في الأعتبار أن معظمهم كان يقوم بتجربته التمثيليه الأولى ، مما يحتاج من المخرج للمزيد من الجهد في توجيههم و قيادتهم أثناء أداء المشهد ، في هذه النقطه تحديداً كانت نادين ناجحه جداً ، ربما استفادت من خبرتها في توجيه المطربين و المطربات أثناء عملها كمخرجة كليبات غنائيه لفتره طويله ، تتعامل معهم بوصفهم وجوهاً جديده في عالم التمثيل

أظن أيضاً أن عملها كمخرجة كليبات كان بمثابة فترة تجارب لعملها كمخرجه سينمائيه ، مما وسم تجربتها السينمائيه الأولى بنضج نادر في مثل هذه الحالات ، كانت (نادين لبكي) مخرجه كبيره بحق وهي ما زالت في بدايتها السينمائيه

-4-

كراميل كفيلم لبناني

كلنا يعرف أن لبنان عانت من حرباً أهليه إستمرت لـخمسة عشرعاماً ، هذا خلق اتجاهاً في السينما اللبنانيه بشكل عام ، تشكل الحرب موضوعاً أساسياً في معظم الأفلام ، حتى فيلم غنائي راقص مرح مثل بوسطه كانت محاولات اللبنانين للتداوي من أثر الحرب تطل برأسها من بين أغاني الفيلم و رقصاته -الدبكه هي الدوا- ، ماذا يميز فيلم (سكر بنات) إذاً في هذا السياق

الفيلم يتجاهل الحديث عن هذا الموضوع تماماً ، تقول نادين في حوارها مع رويترز "بالنسبة لي كان شيئا طبيعيا الا اتحدث عن الحرب لانني اريد نسيان الحرب واريد ان تظهر صورة جديدة عن لبنان. لبنان ليس فقط أبنية تشتعل وأناس تبكي علي الطريق. عندما نقول للاجانب خصوصا لبنان او بيروت هذا اول امر يفكرون به ، بالنسبه لي لبنان أيضاً أشياء أخرى

نادين إذا صنعت فيلمها من هذه الأشياء الأخرى ، من قصص -كما تقول- سمعتها و استوحتها من أناس تعرفهم ، من أقاربها أو جاراتها ، من خبرات شخصيه بالأساس ، ربما تكون خبرة الحرب أكثر عموميه منها

بريشة فنان تشكيلي ، و مخيلة شاعر رومانسي ، صنعت نادين لبكي فيلمها ، فيلم بمذاق الكراميل و بهجة بيروت الحزينه

,,,

No comments: