Sunday, May 04, 2008

بعشر قبلات في الهواء ، يقول وداعاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينما الشمسُ تغربُ
قلتُ لصاحبي : إني قد يئستُ ، ثم إني قد يئستُ ، فأمسك بيدي وترجل خارجا بي ناحية الجسر ، رُحنا نمشي بينما الشمسُ تغربُ ، ولما لم تفلحْ إحدى وخمسون خطوة في أن تزحزحني عن سُكوتي قال صاحبي : انظر!! من ذا الذي يمكنه أن يكون جميلا هكذا ، في غروبه ، مثلما هو جميلٌ كلما أشرقَ ، قلتُ : لأنك أنتَ الشِّعرُ ، قال أنا الشِّعرُ قد منّ الله علىّ و جعلني صاحبكْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
البكاءُ على كتفِ الشعرْ
أخذني الشعرُ من يدي وقال أتستطيعَ معيَ صبرا ، قلتُ نعم ، وكان اليومُ يومَ جمعة ، ولم يكنْ باقيا على النداء للصلاة سوى ثلاثة أرباع الساعة ، قالَ سنصلي في مسجدٍ بالكوفة ، توضأنا وأخذنا زينتنا، وقبل أن يُرفع الآذانُ بدقائق معدوداتٍ كنا نتخطى عتبة المسجد مسرّين في أنفسنا : ربنا افتحْ لنا أبوابَ رحمتك ، ثم شرعنا نؤدي ركعتين (تحية المسجد) ، وبينما نحنُ ركوعٌ غشينا صوت المؤذن فتنزلت علينا السكينة ولم يعد في القلب من أمور الدنيا إلا اللمم ، حتى إذا قال المؤذن(حيّ على الفلاح) سمعنا دويا خِلتهُ قيامَ السّاعة، كانت الأشلاءُ تتطايرُ وصرخاتُ الهلع تدوي في باحة المسجد حين سقطتُ مغشيا عليّ ، وحين أفقتُ في المشفى سمعتُ الناسَ يقولون من يُردْ المشاركة في تشييع الضحايا فليتبعنا ، فتبعتهم إلى القبور ، هناك رأيت الشعر يُهيلُ الترابَ على الموتى ، ويسكبُ الماء بينما يتمتمُ : كلا ليس بمؤمن ، كلا ليسَ بمؤمن ، ولما رآني أخذني لجنبه صامتا ، قلتُ : سمعتك تتمتمُ ، قال : كنتُ أردّ على الموتى ، كلما سألني أحدُهم : أمؤمنٌ فعل بنا ذلك ؟ فأجيبُ : كلا ليس بمؤمن ، فألقيتُ برأسي على كتفه ورحتُ أبكي
ــــــــــــــــــــــــــــــ
حلمُ يقظةِ قصيدةِ نثرْ
بكفين صغيرتين فاجأني منَ الخلفِ ، وأطبقهما على عينيي ، وظل صامتا ، رحتُ أستنشقُ الرائحة علي أعرفُ منْ ذلك الحميم الذي اقتحمَ علىَّ شرودي ، لا يفعل ذلك إلا ولدٌ مرحٌ أو خلٌ يأتي بعد غياب ، دافئة أصابعُ كفيه وأنفاسُه توقظ داخلي ذكرياتِ صبا ، شيئا فشيئا أمسكتُ بخطوط جلبابه الداكن ، وتأرجحه في أغصان شجرة التوت ، (عليُّ) أيها الوغد ، تعالَ لأحضان الكلمات وأعطاف الموسيقى ، تدحرجْ بي يا وغد على حشائش السفح ، واغفر لراعية الأغنام التي التهمت نعجتُها نبتة المانجو ذاتِِ الأسابيع الست ، سامحها لأجلي يا فتى وراقصني على العشب ، دوّخْ تفاصيلي وأوقدْ على البوح حتى تنشق بذرة الحنين عن نبتة أخرى ، فإذا ما تهيأتُ لشفتيكَ فاعلم أنني فتنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تكنْ بنت الخَال ، لكنّهُ الشعرُ ابنُ خالة الحُبْ
قلْ لي يا عليّ : كيف تفرقَ بين الحُبّ الصّادقِ والحب الزائفِ ؟! هكذا باغتني قبلَ أن أفيقَ من تأثير طيبة الملامح ، والإطراقة الخَجلي ، والعينين ، العينين اللتين على مهل تركتا عينيّ ، قلتُ : عفوا !! قال : أتعرفُ الفرقَ بين الحب الحقيقي والحب المغشوش ، قلتُ : إذنْ تلصّصْتَ علىَّ أيها الشعرُ ، قال : كلا ، ولكن وددت أن يطمئن قلبي ، ثم تركني ومضى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حينما انتبهت القصيدةُ على نشيج الشاعرْ
ألجأتُ ظهري لظهره ، وأغمضتُ عينيّ ، لكنّ الخمسَ دقائق فاتتْ دون أن يسألني عمّا بي ، حتى أوشكتُ على البكاء إلا أنّ نحيبا مكتوما عصَف به فاستدرتُ واحتضنتهُ ، كانتْ عيناهُ حمراوين كأن لمْ ينم ليلتين ، قلتُ هوّنْ عليك يا حبيبي ، هَوّن على قلبكَ وعينيك ، قال أيفلتُ القتلة يوم الدين ، قلتُ لا يفلتون ، قال أرأيت إن استحوذ على البيان المجونُ ، قلتُ فبئس القرين ، قال أرأيت إن سفه الظُّرْفُ فطرة الطيّبين ، قلت أنتَ بريء مما يفترون ، قال فاشهدي قلتُ أنا من الشاهدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيُّها الشعرُ ، أنا لوْلاكَ يتيمْ
في العاشرة والنصفِ من صَباح الثلاثاء الرابعِ والعشرين من شهر رجب سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة ، وبعد خمس وسبعين سنة من ولادتها ماتت أمي فدهمني اليتم بلا رحمة ، وخانتني ساقاي إلا أن ثمة من تلقفني بساعديه وأجلسني على حجر وقال : أيحزنك لمُّ شملهم بعد كل هذه السنين ، أمُّك وأختك وأبُوك ، قلتُ: كلا ، قال : أنسيتَ يا عليُّ أنهم لم يجتمعوا في الدنيا ، إذ ماتَ أبوك قبل أن تولد أختك وأنتَ ابنُ خَمس سنين ، قلتُ : نعم وسكنتُ فجلسَ إلى جواري وربّتَ على ركبتي فبصصتُ في عينيه وهمستُ : لو لم يقلها رسول حمزاتوفْ منْ قبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشعرُ في العشرين ، الشعرُ في الخمسين
قبل ثلاثين سنة ونصف السنة كتبتُ قصيدة تفعيلية مولعة بالأيديولوجيا المادية ، وكان عنوانها ( الأرض تدور في جمجمة ابن منصور ) ما لبثت أن نشرتها دورية ثقافية في بلدة اشتراكية، سوى أن الدورية الثقافية لم يعد لها ذرية ، والبلدة الاشتراكية لم يدم لها بيرق ، وهاأنذا ما زلت أحلم بكتابة قصائد تشبه الأطعمة التي يتخطفها المساكين لدى المقابر ، تماما كأنها رحمة ونور على روح شاعرٍ مغمورْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كأنهنَّ المؤمناتُ الغافِلاتْ
قال الشعرُ إياك يا عليُّ أن تكون قد حزنتَ يوم حالوا بينك وبين ( جائزة الدولة التشجيعية ) ، قلتُ أنتَ تعلمُ أني ما كنتُ أريدُها إلا لقصيدة النثر ، قال الله أعلم لأي شئ كنتَ تريدَها، لكنه هو الله ربّك أراد ألا يمسَسْك رجسُ (الأموال العامة ) التي هي حقُّ اليتامى والمشردين ، وحقّ الثكالى والمحرومين ، وحق أطفال الشوارع والكادحين ، وحق الفقراء والمساكين ، فقل الحمد لله رب العالمين ، وإذا ما جاءتك القصائدُ كأنهنّ المؤمناتُ الغافلاتُ فلا تكونن من الغافلين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأظنُّهُ لا يزال هناكْ
كانت الشحناءُ ترتعُ بين الناس، وأنا والشعرُ نرقبُ من على رصيفٍ ، نظرتُ إليه ونظر إلىَّ وكأنما قرأ في عينيَّ ( أين ذهب العفو) فأمسكَ بيدي وقال: آخرَ مرة صادفتُ فيها العفو كانتْ هناك ، طيّ أدبيات التعاليم ، ثم أردفَ : وأظنه لا يزال هناك ـ حزينا ـ لا يجد من يأخذ بيده
ولو خطوة واحدة إلى الشارعْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقة بيْضاءَ في غُرفةِ الشاعرْ
قالَ لي الشعرُ : تعال الليلة يا عليّ نستمع لسورة الأنعام من الشيخ محمود خليل الحصري ، حتى إذا أتمها علينا حمدنا الله وانصرفنا ، كلٌ لحال سبيله ، أنتَ لحزنك الشفيفِ ، وأنا لورقة بيضاءَ في غرفة الشاعرْ
,,,
علي منصور
من ديوان (في مديح شجَرةِ الصَّبار) هنا

2 comments:

على باب الله said...

جميلة بشكل وحش

أشكرك من قلبي

---

باسم said...

لا داعي للشكر عزيزي القارئ ، فنحن دلئما هكذا و الحمد لله ، نأتي لقارئنا العزيز بأجمل ما تقع عليه يدنا ، نكتبه و ننمقه و نزوقه ، ثم نضعه أمامكم على السفره و بالهنا و الشفا ، مع مدونتا ذلك أفضل جدا ، عزيزي متابع المدونه أنت في أيد أمينه