Saturday, May 10, 2008

أبوكاليبتو . الإشتغال البصري على العنف

مشهد تقديم القرابين فوق قمة المعبد
القبيله تنتظر مصيرها

يمثل فيلم (أبوكليبتو) لحظة نضج في مسيرة ميل جيبسون كمخرج ، هنا اشتغل جيبسون أكثر على صورته ، اكسبها طابعا أكثر قسوه في التعامل مع العنف كدال على طبيعه بشريه مسيطره و مهيمنه على حركة التاريخ ، و كعادته منذ فيلمه (القلب الشجاع) ، التي تكررت في (آلام المسيح) يستلهم لحظه تاريخيه فاصله ليطرح من خلالها أفكاره و رؤيته السينمائيه الخاصه
في اللحظات الأخيره من حياة حضارة المايا ،التي نشأت في الغابات الإستوائيه شمال جواتيمالا و المكسيك يبدأ الفيلم ، من أسفل هرم تلك الحضاره نرى شكل إنهيارها دون أن نرى إنهيارها ذاته ، قبيله صغيره تحيا في الغابه حياه عاديه ، في مشهد البدايه نشاهد عدداً من شباب القريه و هم يصطادون خنزيراً برياً ، و يتم تقسيم الأجزاء الأهم من جسد هذا الخنزير عليهم ، قلب الخنزير يُعطى لـ(الضفدع المدخن) ، و الكبد لـ(الأنف المجعد) ، الأذنين لـ(ورق الكاكاو) ، بينما يأخذ (ملثم) -العاجز عن الإنجاب- الخصيتين
ينتبه (يد النمر) الذي كان يقوم بتقسيم الخنزير بسكينته ، ينصت إلى أصوات قادمه من خلفهم و هم جالسون حول الغنيمه ، لنكتشف قبيله أخرى لكنها ممزقه هذه المره ، تحاول البحث عن بدايه جديده بعد تعرض قريتهم للنهب ، حديث (يد النمر) مع أحدهم و رؤيته لفلولهم الجريحه الهاربه يثير بداخله القلق و يقض مضجعه ، يشعر بالخوف على ابنه الصغير و زوجته التي تنتظر مولوداً أخر ، ليتحول الخوف إلى حقيقه
تهاجمهم فرقة مرتزقه من العاصمه و تأخذهم كسبايا أثناء نومهم ، (يد النمر) الذي يتنبه مبكراً ينجح في إخفاء أسرته في حفره عميقه لا يستطيعون الخروج منها بمفردهم ، لذا فعليه أن يعود ليخرجهم
الرحله من الغابه إلى المدينه رحله قاسيه ، أكثر منها قسوه هو ما نراه بعد دخول المدينه ، العاصمه التي بلغت قمة أوجها في الصناعه نزلت إلى أسفل سافلين في أمور أخرى ، فقرائها يموتون بالأمراض الفتاكه و الجوع ، و سكانها يعبدون أله يرتوي بالدم ، يذبحون له مئات القرابين كل يوم فوق الهرم الذي يمثل معبده لكي يرضى و لا يرضى ، و في مشهد سيخلد طويلاً في الأذهان و يقدم جيبسون تفاصيله ببراعه حقيقيه نرى تقديم تلك القرابين ، نرى الجموع الغفيره التي اثارتها رائحة دم القرابين تنتشي مع كل قلب جديد ينتزع من داخل صدر صاحبه ، و كل رقبه جديده يتم فصلها عن أجساد حامليها تزداد معها وطأة نشوتهم ، في طقس ديني دموي كان يميز تلك الحضاره ، التي اعتاد أهلها أسر بعضهم البعض لتقديمهم كذبائح قربانيه لأغراض دينيه و سياسيه ، العنف هنا ليس عنفاً تجارياً كما هى عادة أفلام هوليود ، العنف هنا يكتسب منحى جماليا و دلالياً على ما يمكن أن تصل إليه حضاره ما قبل إنهيارها بلحظات
بتتابع تقديم القرابين يشاهد (يد النمر) ذبح أصدقائه واحداً تلو الأخر فوق منصة الآله ، حتى يأتي الدور على (يد النمر) نفسه ، و لكن بما يشبه المعجزة يحدث كسوف كامل للشمس ، يضطر معه كاهن الآلهه إلى أن يعلن على الجماهير المذعورة مما يحدث أن الآلهه قد رضت أخيراً ، و لم يعد هناك داع لذبح المزيد من القرابين البشريه

يسأل زعيم المرتزقه عن مصير بقية الأسرى ، فيرد عليه الكاهن بابتسامه واسعه :تخلص منهم ، هكذا و من أجل تسلية رجاله يذهب بهم إلى حقل من حقول الذره ليطاردهم فيه كأنهم فرائس لإثبات مهارات رجاله في الصيد ، لكن ينجح (يد النمر) في الهرب بعد أن يقتل أبن زعيم المرتزقه و هو مصاب ، ليبدأ الفيلم في عرض مطارده أخرى بينه و بين فريق المرتزقه للعوده إلى الغابه ، و تتوالى الأحداث
ينجح أخيراً (يد النمر) في الوصول للغابه بعد معركه شرسه قتل فيها معظم فرقة المرتزقه و لم يبقى منها سوى اثنان يطاردونه حتى النهايه ، حتى الشاطئ الذي تنتهي به اليابسه ، فجأه يقف الثلاثه محدقين مذهولين أمام مشهد جديد عليهم ، المراكب الأسبانيه التي تحمل جنوداً جاؤا مع مبشر مسيحي للتبشير في هذه العالم الجديد ، في دلاله على الإنطلاقه الجديده التي يشير لها إسم الفيلم -(أبوكلبتو) كلمه من لغة المايا تعني الإنطلاقه الجديده- و إشاره إلى الحقيقه التاريخيه التى تفيد بأن نهاية حضارة المايا كانت على يد الأوروبيين
مشاهد العنف في الفيلم صادمه ، هذا حقيقي ، لكن هناك أيضاً صدمة اللغه ، باعتماده لغه السياق الأصلي الذي تدور فيه أحداث فيلمه ، اللغه هي لغة المايا القديمة كلغة حوار، فعلها جيبسون من قبل في فيلم (ألام المسيح) مع اللغات الأراميه و العبريه ، يريد جيبسون أن ينقل الجو العام للحظه التاريخيه كما كانت ، مع الإحتفاظ لنفسه بحق تأويل هذه اللحظه التاريخيه
هل الفيلم هو نبؤه لما ستصير عليه أمريكا بعد كل هذا العنف ، يقدم جيبسون إنذاراً لأمريكا لتتنبه لمصيرها ، هل يسعى لإثراء نصه السينمائي بخطاب سياسي آني ، أم كل هذا مجتمعاً ، بعيداً عن السؤال السياسي المباشر ، يبقى فيلم (أبوكليبتو) واحداً من أجمل و أهم الأفلام الأمريكيه على مستوي الرؤيه الفنيه و البصريه ، لتشير بقوه لإمكانات مخرج مجيد اهتم هنا بصورته التى يصنعها ليقدم فيلماً يحمل جماليات و رؤى مختلفه كثيراً عن السائد حتى في السينما الأمريكيه ذاتها

,,,

No comments: